نواف كبارة: يجب ألا تحول قلة الإمكانيات دون تعزيز حقوق وتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة
جاءت كلمة الدكتور كبارة في افتتاح اجتماعات الجلسة السادسة عشرة لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي عُقدت بمقر الأمم المتحدة في الفترة بين 13و15 يونيو/ حزيران.
في حوار مع أخبار الأمم المتحدة تحدث كبارة عن ضرورة الانتقال من الدعم المؤسساتي لذوي الإعاقة إلى عملية إدماجهم بصورة كاملة في مختلف المجتمعات.
كما قال رئيس المنظمة العربية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة إنه لا يمكن أن تُستخدَم "حجة" قلة الإمكانيات كذريعة لعدم دعم ذوي الإعاقة وتعزيز حقوقهم.
سألنا الدكتور كبارة في بداية الحوار عن الرسالة الأساسية التي حملتها كلمته في افتتاح الجلسة.
بصفتي رئيس المنظمة العربية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وممثل التحالف الدولي للإعاقة ألقيتُ كلمة المجتمع المدني في الجلسة. وكان التركيز الرئيسي على أنه بعد مرور أكثر من 15 سنة على تبني الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، أين نحن الآن من تنفيذ هذه الاتفاقية وأين نحن من التزام الدول بتنفيذ هذه الاتفاقية وما هي القضايا الرئيسية التي تعتقد حركة الإعاقة أنها جوهرية في هذه الظروف التي نمر بها؟ من هنا تكلمت بشكل واضح عن تجارب عشناها. تكلمت عما حدث بسبب الزلزال العنيف الذي ضرب سوريا وتركيا وانعكاساته الكاسحة على الأشخاص ذوي الإعاقة.
تكلمت عن تأثير الحرب الأوكرانية وتكرار أزمة اللاجئين ذوي الإعاقة. وطبعا الأزمة التي يعرفها العالم كله وهي أزمة كوفيد-19 والعزل الذي تعرض له الأشخاص ذوو الإعاقة بسببها.
تحدثت أيضا عن ضرورة مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة في صناعة القرار. هل حدثتنا أكثر عن هذه النقطة المهمة؟
لقد انتهت الفترة التي كان فيها من يتحدث بلسان الأشخاص ذوي الإعاقة والتي كان المجتمع يعتقد فيها أنهم غير قادرين على التعبير عن أنفسهم. منذ الثمانينيات تغير العالم وتغيرت النظرة للإعاقة، وتحولت من الرعاية والجانب الخيري إلى اعتبار قضية الإعاقة قضية حقوق بامتياز. وانتقلنا من الدعم المؤسساتي إلى الإدماج الاجتماعي. من هنا، يجب أن تتكلم مع الشخص وعن واقعه وحقيقة حياة هذا الشخص لكي تفهم الإشكاليات وتتعامل مع المشاكل وتصدر القوانين والتشريعات التي تولد سياسات وتضمن حل هذه المشاكل باتجاه واحد وأساسي هو الإدماج الكامل. الهدف من الاتفاقية الدولية هو ضمان حق الشخص ذي الإعاقة بأن يعيش في كرامة، ولكي يعيش في كرامة يجب أن يعيش في المجتمع مثل أي شخص آخر. وهذا يعني أن يتم الانتقال – كما تطلب الاتفاقية – من السياسات القائمة على الدعم المؤسساتي إلى السياسات القائمة على الإدماج.
المنطقة العربية تعيش الكثير من الظروف الصعبة، صراعات وحروب وكوارث طبيعية مثل الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا. كيف تؤثر هذه الظروف على أوضاع الأشخاص ذوي الإعاقة وخصوصا أن الاهتمام بهم في بعض الدول ليس بالقدر الكافي؟
أولا، العنف الذي ضرب المنطقة العربية أنتج الكثير من الأشخاص ذوي الإعاقة. ثانيا، الزلزال المدمر وما نتج عنه من إعاقات وتأثيره أيضا على الأشخاص ذوي الإعاقة الذين واجهوا وضعا اكتشفوا فيه أنهم خارج أي حماية وخارج أي اهتمام. كانت المساعدات تأتي لتغطية حاجة الناس مثل الخيام والأغطية والطعام. ولكن للشخص ذي الإعاقة قد تكون هناك أشياء أكثر أهمية مثل الكرسي المتحرك مثلا كي يتمكن من الحركة، أو العكاز على سبيل المثال. وهذا خلق تحديا كبيرا أمامهم، وأيضا لجهود الإغاثة في كيفية التعامل مثلا مع شخص أصم موجود في مبنى تحت الأنقاض. كيف تتواصل معه، وكيف تصل له وكيف يصل لك؟ لهذا السبب نشاهد اليوم الكثير من الاهتمام العربي بقضية الإعاقة. فهناك القمة العالمية للإعاقة التي تنعقد عام 2025 وتنظمها ألمانيا بالشراكة مع الأردن. وهناك قطر التي أعلنت التزامها بتنظيم القمة العالمية الرابعة للإعاقة عام 2028. وأقرت القمة العربية في جدة العقد العربي الثاني للإعاقة.
هناك حركة وهناك إمكانيات، وهناك أيضا محدودية الإمكانيات. وهنا دورنا كأشخاص ذوي إعاقة في الدفع لتحديد الميزانيات اللازمة لإنهاء هذا الوضع الشاذ الذي نعيش فيه.
: وعلى ذكر موضوع الإمكانيات، الكثير من الدول تعاني من ضعف في الإمكانيات والموارد وخصوصا في السنوات الأخيرة. كيف أثر هذا على التقدم الذي تحقق في مجال صيانة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة؟
القضية أيضا قضية توزيع إمكانيات وما يمكن للدولة أن تقدمه، وبالتالي لا يمكن أن نقبل أن تفرض قلة الإمكانيات أننا لا نستطيع أن نساعد الأشخاص ذوي الإعاقة. مصر مثلا والتي تعاني من مشاكل اقتصادية، أطلقت برنامجي كرامة وكافل، وهما برنامجان لتقديم حماية اجتماعية متقدمة للأشخاص ذوي الإعاقة. لا أعتقد أن ضعف الإمكانيات هي حجة كافية لنقول إننا لا نقوم بالواجب.
ولكن إلى جانب هذا، هناك مساعدات دولية وهناك برامج الأمم المتحدة، كلها تساهم في أن ندفع باتجاه سياسات قائمة على توجيه الخدمات مباشرة للأشخاص ذوي الإعاقة وتنفيذ برامج تؤمن الدمج وتغيير البنية الاجتماعية والاقتصادية التي تسمح بإفساح المجال أمام فرص العمل وكذلك التغطية الاجتماعية للأشخاص ذوي الإعاقة.
: وهذا ينقلنا إلى نقطة مهمة وهي التوعية في المجتمعات العربية. هناك بعض القصور في المجتمعات في التوعية بشأن كيفية التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة. فما هو دور المجتمع المدني ودور المنظمة العربية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في زيادة الوعي بين الشعوب بأهمية صيانة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة؟
ما نعيشه اليوم هو أفضل بكثير مما كان عليه الوضع منذ عشرات السنوات. ففي الخمسينات، كان المجتمع ينظر لقضية الإعاقة وكأنها قضية طبية بامتياز. وكان إخراج الشخص ذي الإعاقة ووضعه في المؤسسات الطبية هو السياسة المعمول بها. ونتيجة نضالنا، انتقلنا إلى مرحلة الاعتراف بوجودنا كفئة اجتماعية مختلفة. ولكن يسقط هذا الاختلاف عندما يغير المجتمع من بنيته لقبول الآخر كما هو. ولكن إذا نظرت إلى واقع ما يعرف بالولوجية فقد تحسنت تحسنا جذرية عالميا وفي العالم العربي. وهذا دفع الكثير من الأشخاص ذوي الإعاقة لعيش حياتهم بأكبر قدر من الاستقلالية. نظرة الناس تغيرت. التراجع هو في مواكبة الدولة لهذا التحول. ولكن يبقى هناك الكثير من العوائق التي تعود للتراث والجهل. وأنا متأكد من (وضع) الجيل الذي سيأتي بعدي.. أنا فخور بأنني سأقدم له عالما أفضل مما كان عليه عندما أُصبتُ بالإعاقة.
: ما هي الرسالة التي تريد أن توجهها إلى كل من يتابع هذا اللقاء؟
أقول للشخص ذي الإعاقة: أخي وأختي، حقكم في العيش بكرامة هو حق إنساني، إعاقتك ليست سببا أن تكون أقل إنسانية وأقل رتبة اجتماعية. وإلى المجتمع أقول: إن الإعاقة ليست فئة، الإعاقة هي مسار سيصيب كل فرد من أفراد المجتمع. لأننا في مسار حياتنا وفي تحول أجسامنا، سنصاب بحالة من حالات الإعاقة، إما المؤقتة أو الدائمة بسبب كبر العمر والأمراض.
ما نقوم به الآن ليس لفئة محدودة، ولكنه لكل فرد منكم لأنه في يوم من الأيام ستستفيدون جدا مما نفعله الآن.